فصل: شهر ذي الحجة سنة 1229:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر رجب سنة 1229:

في خامسه ضربوا عدة مدافع وأخبروا بوصول بشارة وأن عساكرهم حاربوا قنفدة واستولوا عليها ولم يجدوا بها غير أهلها.
وفي سادسه، سار حسن بك دالي باشا بعساكره الخيالة براً.
وفيه، عزم على السفر والد محرم بك زوج ابنة الباشا إلى بلاده وذلك بعد عوده من الحجاز فأرسلوا إلى الأعيان تنابية بالأمر لهم بمهاداته ففعلوا وعبوا له بقجاً وبناوازاً وأقمشة هندية ومحلاوية كل أمير على قدر مقامه وفي ليلة الاثنين، تاسعه حصلت في وقت أذان العشاء زلزلة نحو دقيقتين وكان المؤذنون طلعوا على المنارات وشرعوا في الأذان فلما اهتزت بهم ظن كل من كان على منارة سقوطها فأسرعوا في النزول فلما علموا أنها زلزلة طلعوا وأعادوا الأذان وسقط من شرائف الجامع الأزهر شرافة وتحركت الأرض أيضاً في خامس ساعة من الليل ولكن دون الأولى وكذلك وقت الشروق هزة لطيفة.
وفي حادي عشره، هرب الشريف عبد الله ابن الشريف سرور في وقت الفجرية ولم يشعروا بهروبه إلا بعد الظهر فلما بلغ كتخدا بك الخبر فتكدر لذلك وأرسل إلى مشايخ الحارات وغيرهم وبث العربان في الجهات فلما كان ليلة السبت حضروا به في وقت الغروب وقد حجزوه بحلوان وأتوا به إلى بيت السيد محمد المحروقي فأخذه إلى كتخدا بك فأرسله إلى بيت أخيه أحمد آغا ومن ذلك الوقت ضيقوا عليه ومنعوه من الخروج والدخول بعد أن كان مطلق السراح يخرج من بيت أحمد أغا ويذهب إلى بيت عمه الشريف غالب ويعود وحده فعند ذلك ضيقوا عليه وعلى عمه أيضاً.
وفي يوم الخميس تاسع عشره، حضر المشايخ عند كتخدا بك وعاودوه في الحطاب فيما أحدثوه على الرزق وعرفوه أنه يلزم من هذه الأحداث إبطال المساجد والشعائر فتنصل من ذلك وقال هذا شيء لا علاقة لي فيه وهذا شيء أمر به أفندينا ومحمود بك والمعلم غالي ثم كلموه أيضاً في صرف الجامكية المعروفة بالساثرة والدعا جوى للفقراء والعامة فوعدهم بصرفها وقت ما يتحصل المال فإن الخزينة فارغة من المال.
وفي يوم السبت، حضر محمود بك والمعلم غالي من سرحتهما فذهب إليهما المشايخ في ثاني يوم ثم خاطبوهما بالكلام في شأن الرزق فأجابهم المعلم غالي بقوله يا أسيادنا هذا أمر مفروغ منه بأمر أفندينا من عام أول من قبل سفره فلا تتعبوا خاطركم واجب عليكم مساعدته خصوصاً في خلاص كعبتكم ونبيكم من أيدي الخوارج فلم يردوا عليه جواباً وانصرفوا في ويم الأحد تاسع عشرينه، حصل كسوف شمس وكان ابتداؤه بعد الشروق ومتداره قريباً من الجرم وثم انجلاؤه في ثاني ساعة من النهار وكانت الشمس ببرج السرطان أربعاً وعشرين درجة في حادي عشر أبيب القبطي.
وفيه، وصلت القافلة من ناحية السويس وأخبر الواصلون عن واقعة قنفدة وما حصل بها بعد دخول العسكر إليها وذلك أنهم لما ركبوا عليها براً وبحراً وكبيرهم محمود بك وزعيم أوغلي وشريف أغا فوجدوها خالية فطلعوا إليها وملكوها من غير ممانع ولا مدافع وليس بها غير أهلها وهم أناس ضعاف فقتلوهم وقطعوا آذانهم وأرسلوها إلى مصر ليرسلوها إلى إسلامبول وعندما علم العربان بمجيء الأتراك خلوا منها ويقال لهم عرب العسير وترافعوا عنها وكبيرهم يسمى طامي فلما استقر بها الأتراك ومضى عليهم نحو ثمانية أيام رجعوا عليهم وأحاطوا بهم ومنعوهم الماء فعند ذلك ركبوا عليهم وحاربوهم فانهزموا وقتل الكثير منهم ونجا محو بك بنفسه في نحو سبعة أنفار وكذلك زعيم أوغلي وشريف آغا فنزلوا في سفينة وهربوا فغضب الباشا وقد كان أرسل لهم نجدة من الشفاسية الخيالة فحاربهم العرب ورجعوا منهزمين من ناحية البر وتواتر هذا الخبر.

.شهر شعبان سنة 1229:

استهل شهر شعبان بيوم الثلاثاء في ثانيه حضر ميمش أغا من الديار الحجازية وعلى يده فرمانات خطاباً لدبوس أوغلي وآخرين يستدعيهم إلى الحضور بعساكرهم وكان دبوس أوغلي في بلده البرلس فتوجه إليه الطلب وكذلك شرع كتخدا بك في اكتتاب عساكر أتراك ومغاربة وعربان وغير ذلك.
وفي رابعه، سافر طائفة من العسكر وأرسل كتخدا بك يمنع الحجاج الواردين من بلاد الروم وغيرهم من النزول إلى السفائن الكائنة بساحل السويس والقصير وبأن يخلوها لأجل نزول العساكر المسافرين وبتأخير الحجاج وذلك أنه لما وصلت البشائر إلى الديار الرومية بفتح الحرمين وخلاص مكة وجدة والطائف والمدينة ووصول ابن مضيان والمضايفي وغيرهم إلى دار السلطنة وهروب الوهابيين إلى بلادهم فعملوا ولائم وأفراحاً وتهاني وكتبت مراسيم سلطانية إلى بلاد الرومنلي والأنضول بالبشائر بالفتح والإذن والترخيص والإطلاق لمن يريد الحج إلى الحرمين بالأمن والأمان والرفاهية والراحة فتحركت همم مريدي الحج لأن لهم سنين وهم ممتنعون ومتخوفون عن ورود الحج فعند ذلك أقبلوا أفواجاً بحريمهم وأولادهم ومتاعهم حتى أن كثيراً من المتصوفين منهم باع داره وتعلقاته وعزم على الحج والمجاورة بالحرمين بأهله وعياله ولم يبلغهم استمرار الحروب وما بالحرمين من الغلاء والقحط إلا عند وصولهم إلى ثغر إسكندرية ولم يتحققوها إلا بمصر فوقعوا في حيرة ما بين مصدق ومكذب فمنهم من عزم على السفر ولم يرجع عن عزمه وسلم الأمر لله ومنهم من تأخر بمصر إلى أن ينكشف له الحال وقرروا على كل شخص من المسافرين في مراكب السويس عشرين فرانسة وذلك خلاف أجرة متاعه وما يتزود به في سفره فإنهم يزنونه بالميزان وعلى كل أقة قدر معلوم من الدراهم وأما من يسافر في بحر النيل على جهة القصير في مراكب الباشا فيؤخذ على رأس كل شخص من مصر القديمة إلى ساحل قنا ثلاثون قرشاً ثم عليه أجرة حمله من قنا إلى القصير ثم أجرة بحر القلزم إن وجد سفينة حاضرة وإلا تأخر إما بالقصير أو السويس حتى يتيسر له النزول ويقاسي ما يقاسيه في مدة انتظاره وخصوصاً في المال وغلو ثمنه ورداءته ولا يسافر شخص ويتحرك من مصر إلا بإذن كتخدا بك ويعطيه مرسوماً بالإذن وبلغني أن الذين خرجوا من إسلامبول خاصة بقصد الحج نحو العشرة آلاف خلاف من وصل من بلاد الرومنلي والأنضول وغيرهما وحضر الكثير من أعيانهم مثل أمام السلطان وغيره فنزل البعض بمنزل عثمان آغا وكيل دار السعادة سابقاً والبعض بمنزل السيد محمد المحروقي وبيت شيخ السادات ومنهم من استأجر دوراً في الخانات والوكائل.
وفيه، حضر قاصد من باب الدولة وعلى يده مرسوم مضمونه الأمر باسترجاع ما أخذ من الشريف غالب من المال والذخائر إليه وكان الباشا أرسل إلى الدولة بسجتي لؤلؤ عظام من موجودات الشريف فحضر بهما ذلك القبجي وردهما إلى الشريف غالب ثم سافر ذلك القبجي بالأوامر إلى الباشا بالحجاز.
وفي سابعه، وصلت هجانة باستعجال العساكر وتولى حضور الهجانة لمخصوص الاستعجال.
وفي يوم السبت تاسع عشره، أنزلوا الشريف غالباً إلى بولاق بحريمه وأولاده وعبيده وكان قد وصل إلى مصر آغا معين بقصد سفر المذكور إلى سلانيك فنزل صحبته إلى بولاق وصالحوه عما أخذ منه من المال وغيره بخمسمائة كيس فأرادوا دفعها له قروشاً فامتنع قائلاً أنهم أخذوا مالي ذهباً مشخصاً فرانسة فكيف آخذ بدل ذلك نحاساً لأنفع بها في غير مصر فأعطوه مائتي كيس ذهباً وفرانسة وتحول الباقي وكيله مكي الخولاني ثم زودوه وأعطوه سكراً وبناً وأرزاً وشرابات وغير ذلك ونزل مسافراً إلى المراكب صحبة المعين إلى الحجاز من ناحية القصير وبرز ابن باشت طرابلس وصحبته عساكر أيضاً من ناحية العادلية وآخر يقال له قنجة بك ومعهم نحو الألف خيال من العرب والمغاربة على طريق البر إلى الحجاز.
وفي يوم الخميس، رابع عشرينه الموافق لسادس شهر مسرى القبطي أو في النيل المبارك أذرعه فداروا بالرايات ونودي بالوفاء وكسروا السد في صبح يوم الجمعة بحضرة كتخدا بك والقاضي والجم الغفير من العساكر.
وفي أواخره، وصلت الأخبار بأن الباشا توجه إلى الطائف وأبقى حسن باشا بمكة.

.شهر رمضان سنة 1229:

استهل شهر رمضان بيوم الأربعاء في رابعه حضر موسى آغا تفكجي باشا من الديار الحجازية وكان فيمن باشر حرابة قنفدة ومن جملة من انهزم بها وهلكت جميع عساكره وخدمه ورجع إلى مصر وصحبته أربعة أنفار من الخدم.
وفي عاشره، خرجت العساكر المجردة لسفر الحجاز إلى بركة الحج وهم مغاربة وعربان وارتحلوا يوم الأحد ثاني عشره.
وفي الأربعاء خامس عشره، برز دبوس أوغلي خارج باب الفتوح ليسافر بعساكره إلى الحجاز وكذلك حسن آغا سرششمه ونصبوا خيامهم واستمروا يخرجون من المدينة ويدخلون غدواً وعشياً وهم يأكلون ويشربون جهاراً في نهار رمضان ويقولون نحن مسافرون ومجاهدون ويمرون بأسواق ويجلسون على المساطب وبأيديهم الأقصاب والشبكات التي يشربون فيها الدخان من غير احتشام ولا حياء ويجوزون بحارات الحسينية على القهاوي في الضحوة فيجدونها مغلوقة فيسألون عن القهوجي ويطلبونه ليفتح لهم القهوة ويوقد لهم النار ويغلي لهم القهوة ويسقيهم فربما هرب القهوجي واختفى منهم فيكسرون الباب ويعبثون بآلاته وأوانيه فما يسعه إلا المجيء وإيقاد النار وأشيع من ذلك أنه اجتمع بناحية عرضيهم وخيامهم الجم الكثير من النساء الخواطي والبغايا ونصبوا لهن خياماً وأخصاصاً وانضم إليهن بياع البوظة والعرقي والحشاشون والغوازي والرقاصون وأمثال ذلك وانحشر معهم الكثير من الفساق وأهل الأهواء والعياق من أولاد البلد فكانوا جمعاً عظيماً يأكلون الحشيش ويشربون المسكرات ويزنون ويلوطون ويشربون الجوزة ويلعبون القمار جهاراً في نهار رمضان ولياليه مختلطين مع العساكر كأنما سقط عن الجميع التكاليف وخلصوا من الحساب وسمعت ممن شاهد بعينه محمود بك المهردار الذي هو أعظم أعيانهم وهو المتولي على قياس الأراضي مع المعلم غالي وهو جالس في ديوانهم المخصوص بالقرب من سويقة اللالا وهو يشرب في النارجيلة التنباك ويأتونه بالغداء جهاراً ويقول إنا مسافر الشرقية لعمل نظام الأراضي.
وفي، غايته وصلت هجانة باستعجال العساكر.

.شهر شوال سنة 1229:

واستهل شهر شوال بيوم الخميس في ليلته قلدوا عبد الله كاشف الدرندالي أميراً على ركب الحجاج.
وفي يوم السبت ثالثه، خرج دبوس أوغلي في موكب إلى مخيمه وكذلك.
حسن آغا سرشه ليسافر إلى الحجاز.
وفي يوم السبت حادي عسره، نزلوا بكسوة الكعبة بالطبول والزمور إلى المشهد الحسيني واجتمع الناس على عاداتهم للفرجة.
وفيه، انتقل محمود بك والمعلم غالي إلى بيت حسن آغا نجاتي وعملوا ديوانهم فيه وتلقوا الجنينة التي به جلسوا تحت أشجارها وربط الأقباط حميرهم فيها وشرع محمود بك في عمارة الجهة القبلية منه وانزوت صاحبة المنزل في ناحية منه.
وفي سابع عشره، ارتحل دبوس أوغلي وحسن آغا سرششمه ومن معهم من العساكر من منزلتهم متوجهين إلى الديار الحجازية.
وفي يوم الخميس ثاني عشرينه، رسم كتخدا بك بنفي طائفة من الفقهاء من ناحية طندتا إلى أبي قير بسبب فتيا أفتوها في حادثة ببلدهم وقضى بها قاضيهم وأنهيت الدعوى إلى ديوان مصر فطلبوا إلى إعادة الدعوى فحضروا وترافعوا إلى قاضي العسكر وأثبتوا عليهم الخطا فرسم بنفي الشاكي والمفتيين ولقاضي ربعهم.
وفي يوم السبت رابع عشرينه، عملوا موكباً لخروج المحمل واستعد الناس للفرجة على عادتهم فكان عبارة عن نحو مائة جمل تحمل روايا الماء والقرب وعدة من طائفة الدلاة على رؤوسهم طراطير سود قلابها وأمير الحاج على شكلهم وخلفه أرباب الأشاير ببيارقهم وشراميطهم وطبولهم وزمورهم وجاقاتهم وخلفهم المحمل فكان مدة مرورهم مع تقطيعهم وعدم نظامهم نحو ساعتين فأين ما كان يعمل من المواكب بمصر التي يضرب بحسنها وترتيبها ونظامها المثل في الدنيا فسبحان مغير الشؤون والأحوال.
وفيه، خرجت زوجة الباشا الكبيرة وهي أم أولاده تريد الحج إلى خارج باب النصر في ثلاثة تخوت والمتسفر بها بونابارته الخازندار وقد حضر لوداعها ولدها إبراهيم باشا من الصعيد وخرج لتشييعها هو وأخوه إسمعيل باشا وصحبتهما محرم بك زوج ابنتها حاكم الجيزة ومصطفى بك دالي باشا ويقال أنه أخوها وكذلك محمد بك الدفتردار زوج ابنتها أيضاً وطاهر باشا وصالح بك السلحدار وارتحلت ومن معها في سدس عشرينه إلى بندر السويس وفي ذلك اليوم برزت عساكر المغاربة وغيرهم ممن تعسكر وارتحل أمير الحج من الحصوة إلى البركة.
وفي يوم الثلاثاء، خرجت عساكر كثيرة مجردين للسفر.
وفي يوم الخميس تاسع عشرينه، ارتحل أمير الحج ومن معه من البركة في تاسع ساعة من النهار وفي ذلك اليوم هبت رياح غربية شمالية باردة واشتد هبوبها أواخر النهار وأطبقت السماء بالغيوم والقتام وأبرق البرق برقاً متتابعاً وأرعدت رعداً له دوي متصل ولما قرب من سمت رؤوسنا كان له صوت عظيم مزعج ثم نزل مطر غزير استمر نحو نصف ساعة ثم سكن بعد أن تبحرت منه الأزقة والطرق وكان ذلك اليوم رابع شهر بابه القبطي.
وفيه، ورد الخبر من السويس أن امرأة الباشا لما وصلت إلى هناك وجدت عالماً كبيراً من الحجاج المختلفة الأجناس ممنوعين من نزول المراكب فصرخوا في وجهها وشكوا إليها تخلفهم وأن أمير البندر مانعهم من النزول في المراكب وبذلك المنع يفوتهم الحج الذي تجشموا الأسفر وصرفوا أيضاً الأموال من أجله وهم في مشقة عظيمة من عدم الماء ولا يمكنهم الرجوع لعدم من يحملهم وأن أمير البندر يشتط عليهم في الأجرة ويأخذ على كل رأس خمسة عشر فرانسة فحلفت أنها لا تنزل من المركب حتى ينزل جميع من السويس من الحجاج المراكب ولا يؤخذ منهم إلا القدر الذي جعلته على كل فرد منهم فكان ما حكمت به هذه الحرمة صار لها به منقبة حميدة وذكراً حسناً وفرجاً لهؤلاء الخلائق بعد الشدة.

.شهر ذي القعدة سنة 1229:

واستهل شهر ذي القعدة بيوم السبت، وفي يوم الاثنين نادى المنادي بوقود قناديل سهارى على البيوت والوكائل وكل أربع دكاكين قنديل.
وفي ثامنه، جرسوا شخصاً وأركبوه على حمار بالمقلوب وهو قابض بيده على ذنب الحمار وعمموه بمصارين ذبيحة وعلى كتفه كرش بعد أن حلقوا نصف لحيته وشواربه قيل أن سبب ذلك أنه زور حجة تقرير على أماكن تتعلق بامرأة أجنبية وباع تلك الأماكن وكانت تلك المرأة غائبة من مصر فلما حضرت وجدت مكانها مسكوناً بالذي اشتراه فرفعت قصتها إلى كتخدا بك ففعل به ذلك بعد وضوح القضية.
وفي ثاني عشره، سافر عبد الله ابن الشريف سرور إلى الحجاز باستدعاء من الباشا فأعطوه أكياساً وقضى أشغاله وخرج مسافراً.
وفيه، وقعت حادثة بحارة الكعكيين بين شخصين من الدلاتية رمحا خلف غلام بدوي عمل نفسه عسكرياً مع طائفة المغاربة يدعي أحدهما أن له عنده دراهم فهرب منهما إلى الخطة المذكورة فرمحا خلفه وبيد كل منهما سيفه مسلولاً فدخل الغلام إلى عطفة الحمام وفزعت عليهما المغاربة المتعسكرون القاطنون بتلك الناحية وضربوا عليهما بنادق فسقط حصان أحد الدلاة وأطيب راكبه وهرب رفيقه إلى كتخدا بك فأخبره فأمر بإحضار كبراء المغاربة وطالبهم بالضارب فلم يتبين أمره وقبضوا على الغلام الهارب فحبسوه وفي ذلك الوقت حصل بين الناس فزعة وأغلقت أهل سوق الغورية والشوائين والفحامين حوانيتهم وبقي ذلك الغلام محبوساً ومات الدلاتي المضروب في ليلة السبت خامس عشره فأحضروا ذلك الغلام إلى باب زويلة وقطعوا رأسه ظلماً ولم يكن هو الضارب.
وفي عشرينه، سافر ابن باشت طرابلس وسافر معه عسكر المغاربة الخيالة.

.شهر ذي الحجة سنة 1229:

في أوله ورد نجاب من الحجاز وأخبر بموت طاهر أفندي وهو أفندي ديوان الباشا وكان موته في شهر شوال بالمدينة حتف أنفه وورد الخبر أيضاً بصلح الشريف راجح مع الباشا وأنه قابله وأكرمه وأنعم عليه بمائتي كيس وأخبر أيضاً بأنه تركه الباشا بناحية الكلخة وهي ما بين الطائف وتربة وانقضت السنة بحوادثها.
وأما من مات في هذه السنة، فمات العمدة الفاضل الفقيه النبيه الشيخ حسين المعروف بابن الكاشف الدمياطي ويعرف بالرشيدي تعلق بالعلم وانخلع من الآمرية والجندية وحضر أشياخ العصر ولازم الشيخ عبد الله الشرقاوي وانتقل من مذهب الحنفية إلى الشافعية لملازمته لهم في المعقول والمنقول وتلقى عن السيد مرتضى أسانيد الحديث والمسلسلات وحفظ القرآن في مبدأ أمره برشيد وجوده على السيد صديق وحفظ شيئاً من المتون قبل مجيئه إلى مصر واكب على الاشتغال بالأزهر وتزيا بزي الفقهاء بلبس العمامة والفرجية وتصدر ودرس في الفقه والمعقول وغيرهما ولما وصل محمد باشا إلى ولاية مصر اجتمع عليه عند قلعة أبي قير فجعله إماماً يصلى خلفه الأوقات وحضر معه إلى مصر ولم يزل مواظباً على وظيفته وانتفع بنسبته إليه واقتنى حصصاً وإقطاعات وتقلد قضايا مناصب البلاد البنادر ويأخذ ممن يتولاها الجعالات والهدايا وأخذ أيضاً نظر وقف أزبك وغيره ولم يزل تحت نظره بعد انفصال محمد باشا خسرو واستمر المذكور على القراءة والإقراء حتى توفي أواخر السنة.
ومات، الفاضل الشيخ عبد الرحمن الجمل وهو أخو الشيخ سليمان الجمل تفقه على أخيه ولازم دروسه وحضر غيره من أشياخ العصر ومشى على طريقة أخيه في التقشف والانجماع عن خلطة الناس ولما مات أخوه وكان يملي الدروس بجامع المشهد الحسيني بين المغرب والعشاء على جمع مجاوري الأزهر والعامة تصدر للإقراء في محله في ذلك الوقت فقر الشمايل والمواهب والجلالين ولم يزل على حالته حتى توفي ثاني عشر ذي الحجة.
ومات الشيخ المفيد محمد الأسناري الشهير بجاد المولى ممن جاور بالأزهر دروس أشياخ الوقت من أهل عصره ولازم الشيخ عبد الله الشرقاوي في دروسه وبه تخرج وواظب عليه مجالس الذكر وتلقى عنه طريقة الخلوتية وألبسه التاج وتقدم في خطابة الجمعة والأعياد بالجامع الأزهر بدلاً عن الشيخ عبد الرحمن البكري عندما رفعوها عنه وخطب بجامع عمر وبمصر العتيقة يوم الاستسقاء عندما قصرت زيادة النيل في سنة ثلاث وعشرين وتأخر في الزيادة عن أوانه، ولما حضر محمد باشا خسرو إلى مصر وصلى صلاة الجمعة بالأزهر في سنة سبع عشرة خلع عليه بعد الصلاة فروة سمور فكان يخرجها من الخزنة ويلبسها وقت خطبة الجمعة والأعياد وواظب على قراءة الكتب للمبتدئين كالشيخ خالد والأزهرية، ثم قرأ شرح الأشموني على الخلاصة واشتهر ذكره ونما أمره في أقل زمن وكان فصيحاً مفوهاً في التقرير والإلقاء لتفهيم الطلبة، ولم يزل على حالة حميدة في حسن السلوك والطريقة حتى توفي في شهر ذي الحجة وقد ناهز الأربعين.
سنة ثلاثين ومائتين وألف استهل شهر المحرم بيوم الثلاثاء في خامسه وصل نجاب من الحجاز وعلى يده مكاتبات بالأخبار عن الباشا والحجاج بأنهم حجوا ووقفوا بعرفة وقضوا المناسك.
وفي تاسعه، حضر إبراهيم باشا من الجهة القبلية إلى داره بالجمالية.
وفي عاشره يوم الخميس وصل في ليلته قابجي وعلى يده تقرير للباشا من الحجاز إلى ساحل القصير فضربوا لذلك مدافع من القلعة.
وفي صبحها، خرج ابن الباشا وأخوه وكذلك أكابر دولتهم إلى ناحية البساتين ومنهم من عدى النيل إلى البر الغربي لملاقاته على مقتضى عادته في عجلته في الحضور وعلى حساب مضي الأيام من يوم وصوله إلى القصير فغابوا في انتظاره حتى انقضى النهار، ثم رجعوا.
وفي صبح اليوم الثاني خرجوا، ثم عادوا إلى دورهم آخر النهار واستمروا على الخروج والرجوع ثلاثة أيام، ولم يحضر وكثر لغط الناس عند ذلك واختلفت رواياتهم وأقاويلهم مدة أيام ليلاً ونهاراً، ثم ظهر كذب هذا الخبر وأن الباشا لم يزل بأرض الحجاز وقيل أن سبب إشاعة خبر مجيئه أنه وصل إلى ساحل القصير سفينة بها سبعة عشر شخصاً من العسكر فسألهم الوكيل الكائن بالقصير عن مجيئهم فأجابوه أنهم مقدمة الباشا وأنه واصل في أثرهم فعندما سمع جوابهم أرسل خطاباً إلى كاتب من الأقباط بقنا يعرفه بقدوم الباشا فكتب ذلك القبطي خطاباً إلى وكيل شخص من أعيان كتبة الأقباط بأسيوط يسمى المعلم بشارة فعندما وصله الجواب أرسل جواباً إلى موكله بشارة المكور بمصر بذلك الخبر وفي الحال طلع به إلى القلعة وأعطاه لإبراهيم باشا فانتقل به إبراهيم باشا إلى مجلس كتخدا بك فخلع كتخدا بك على بشارة خلعة وأمر بضرب المدافع ونزلت المبشرون وانتشروا بالبشائر إلى بيوت الأعيان وأخذ البقاشيش، في اختلاف الروايات والأقاويل كعادتهم فمنهم من يقول إنه حضر مهزوماً ومنهم من يقول مجروحاً ومنهم من يثبت موته والشيء الذي أوجب في الناس هذه التخليطات ما شاهدوه من حركات أهل الدولة وانتقال نسائهم من المدينة وطلوعهم إلى القلعة بمتاعهم وإخلاء الكثير منهم البيوت وانتقال طائفة الأرنؤد من الدور المتباعدة واجتماعهم وسكناهم بناحية خطة عابدين وكذلك انتقل إبراهيم باشا إلى القلعة ونقل إليها الكثير من متاعه وأغرب من هذا كله إشاعة اتفاق عظماء الدولة على ولاية إبراهيم باشا على الأحكام عوضاً عن أبيه في يوم الخميس ويرتبوا له موكباً يركب فيه ذلك اليوم ويشق من وسط المدينة واجتمع الناس للفرجة عليه واصطفوا على المساطب والدكاكين، فلم يحصل وظهر كذب ذلك كله وبطلانه واتفق في أثناء ذلك من زيادة الأوهام والتخيلات أن رضوان كاشف المعروف بالشعراوي سد باب داره التي بالشارع بخط باب الشعرية وفتح له باباً صغيراً من داخل العطفة التي بظاهره فأوشى بعض مبغضيه إلى كتخدا بك فعلته في هذا الوقت والناس يزداد بهم الوهم ويعتقدون صحة ما دار بينهم من الأكاذيب وخصوصاً كونه من الأعيان المعروفين فطلبه كتخدا بك وقال له لأي شيء سددت باب دارك وما الذي قاله المنجم لك فقال أن طائفة من العساكر تشاجروا بالخطة ودخلوا إلى الدار وأزعجونا فسددتها من ناحية الشارع بعداً من الشر وخوفاً مما جرى على داري سابقاً من النهب، فلم يلتفت لكلامه وأمر بقتله فشفع فيه صالح بك السلحدار وحسن آغا مستحفظان فعفا عنه من القتل وأمر بضربه فبطحوه وضربوه بالعصي، ثم نزل بصحبته الآغا إلى داره وفتح الباب كما كان.
وفي رابع عشرينه، وصلت مكاتبات من الديار الحجازية من عند الباشا وخلافه مؤرخة في ثالث عشر ذي الحجة يذكرون فيها ان الباشا بمكة وطوسون باشا ابنه بالمدينة وحسن باشا وأخاه عابدين بك وخلافهم بالكلخة ما بين الطائف وتربة.